مقالات

مناهج المؤلفين في مناهج المفسرين

المقارنة بين مناهج التفسير

بقلم/الكاتب / أ/عبد العزيز بدر القطان*

إن الكتابة بمناهج المفسرين تعد حديثة من حيث الصناعة الاصطلاحية، بزغت شمسها في القرن الماضي، إلا أنه وفي الواقع المنقول إلينا بعيداً عن الاستعمالات الاصطلاحية واللفظية، نجده قد اشتهر منذ قرون عديدة لا سيما إذا ما تتبعنا ما كتبه المتقدمون في مقدمات تفاسيرهم، أو ما كتب عن تفاسير القرون الماضية من قبل بعض المصنِّفين وهم يقارنون بينها أو يفاضلون.

ولفهم هذا الأمر جيداً، ارتأيت التركيز على ثلاثة كتب تعد من أشهر المؤلفات المعاصرة في “علم مناهج المفسرين” من خلال تتبع تطور الكتابة في هذا العلم خلال القرن الأخير، الكتب هي: (التفسير والمفسرون” للشيخ العلامة محمد حسين الذهبي الأزهري، و”مناهج المفسرين” للأستاذين العلامتين، مساعد مسلم آل جعفر، ومحيي هلال السرحان، و”تعريف الدارسين بمناهج المفسرين” للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي.

أولاً، قصب السبق والأولوية في التأليف

عندما نتناول هذه المؤلفات الثلاثة من حيث الفترة الزمنية كي نميز بين سابقها ولاحقها، نلحظ جيداً أن أول من ألّف هو العلامة محمد حسين الذهبي الأزهري، ثم تلاه، العلامة مساعد مسلم آل جعفر، أما الخالدي فهو متأخر عن الجميع.

التفسير والمفسرون: هو رسالة دكتوراه لمؤلفها محمد حسين الذهبي، والتي نال بها درجة امتياز عالي، لكونه أول من يكتب في مناهج المفسرين من المعاصرين، ويتجرأ على هذا البحر العباب، ألفه عام (1976)، واعتمده الأزهر الشريف مادة دراسية.

مناهج المفسرين: هو كتاب قام بتأليفه اثنين من الأساتذة الأكفاء، هما الدكتور مساعد مسلم آل جعفر، والدكتور محيي هلال السرحان، وكلاهما من العراق، ويُعتبر كتابهما هذا، ثاني كتاب في العالم الإسلامي بمناهج المفسرين، وقد قاما بتأليفه عام (1980)، ومن بين المصادر التي استعانوا بها كتاب “التفسير والمفسرون” المتقدم.

تعريف الدارسين بمناهج المفسرين: للدكتور صلاح الخالدي، وهو كتاب متأخر عن الكتابين السابقين، إلا أنه يقف في المنتصف منهما، كما سنبين في فقرة (ثانياً اللاحقة)، لقد ألف الخالدي كتابه هذا سنة (2000)، ولقد حاول في مقدمته، أن يوحي للقارئ أنه ثاني اثنين في أوائل المؤلفين بهذا العلم، ولكن الواقع يشهد بغير ذلك، برغم أن كتابه من أجود ما كتب على وجه الحقيقة لا المجاز، ومن بين المصادر التي استعان بها المؤلف، “التفسير والمفسرون”، و”مناهج المفسرين” للدكتور مصطفى مسلم، وذكره للأخير في مراجعه يدحض كونه ثاني كتاب.

ثانياً، منهج وطريقة المؤلفين الثلاثة

منهج العلامة محمد حسين الذهبي الأزهري في كتابه “التفسير والمفسرون”

يُعدّ أول واضع للأسس البحثية الرصينة في هذا المجال، وكتابه هو الرائد لمن جاء من بعده بحيث لا يُستغنى عنه بغيره.

تناول مقدمات مهمات أجاد في نظمهنَّ وأفاد بحيث ربط الحدث التأريخي الماضي مع الحاجة الآنية الماسّة ربطاً علمياً يشدّ القارئ إلى المتابعة دون ملل.

أسهب في الكلام على كل محطة حلّت رحاله فيها بحيث ألمّ بكل ما تستحقه تلك المحطة سواء كانت حدثاً تأريخياً أو مناقشة لمسألة علمية.

برع في الكلام على غالب التفاسير وقد تناولها جميعاً منذ عهد التابعين إلى زمانه رحمه الله، وكان متجرداً من العصبية، فتكلم عنها بتجردٍّ تام، وبما تستحقه، وبصياغة علمية أدبية.

منهج الأستاذين آل جعفر والسرحان في كتابهما “مناهج المفسرين”

يعد ثاني المؤلفات العلمية الأكاديمية في هذا العلم، والأستاذين لهما باع طويل في هذا العلم.

جاء كتابهما مختصر لأنهما استغنيا عن المقدمات الطوال إلى أسلوب تفريق الكلام الذي تقتضيه المقدمات في فصوله، ولكن هذه الطريقة لم تعد تناسب الباحثين.

تطرق المؤلفان إلى غالب فروع هذا العلم وقد استمدا من كتاب “التفسير والمفسرون” الكثير من المعلومات التي عززت من مكانة الكتاب.

الكتاب قيّم ولكنه بصلح كمرجع ولا يصلح ككتاب أكاديمي للتدريس.

ثالثاً، منهج الدكتور صلاح الخالدي في كتابه “تعريف الدارسين بمناهج المفسرين”:

هو الكتاب الرابع من الكتب المطبوعة في هذا العلم، لكن طبقاً للمراجعات وبعد سؤال أهل الاختصاص، وطول البحث، تبين أنه الرابع من حيث التأليف أيضاً والله أعلم.

ذكر المؤلف في موارده ومصادره كتابين من كتب مناهج المفسرين، وهما: “التفسير والمفسرون” للدكتور الذهبي الأزهري، و”مناهج المفسرين” للدكتور مصطفى مسلم، ولم يذكر كتاب الأستاذين العراقيين.

أعزو أن سبب عدم ذكره لكتاب “مناهج المفسرين” للأستاذين العراقيين لأمرين:

الأمر الأول: عدم وقوفه على الكتاب، وهو مستبعد، لأن كتابهما مشهور ومنشور على الشبكة العنكبوتية منذ سنوات، وقد طبع مرات داخل العراق وخارجه، وقد وزّع كذلك بنفس ما ذكرت.

الأمر الثاني: أنه استغنى بغزارة المعلومات الواردة في كتابي الذهبي الأزهري، ومصطفى مسلم عن هذا الكتاب، لأنه فقير في معلوماته قياساً بالكتابين، وإن كان كتاب الأستاذين آل جعفر والسرحان سابق من حيث التأريخ لكتاب مصطفى مسلم بمدة زمنية ليست قليلة.

مقدمة الكتاب جليلة القدر، ومن الأهمية بمكان بحيث برع المؤلف في سرد المقدمات بطريقة علمية تتماشى مع مبادئ البحث العلمي المعاصر، ومع حاجة القارئ والباحث.

ذكرت في الفقرة (أولاً) أن هذا الكتاب وإن كان متأخراً عن الكتابين محل المقارنة إلا أنه يقف في المنتصف، إنه من حيث الجودة والبراعة في الترتيب والتسلسل للموضوعات وحسن الصياغة والاستدلال، يعد وسطاً بين الكتابين، بل بين جميع الكتب التي أُلّفت قبله وبعده إلى وقت كتابة هذه السطور.

أخيراً، وبعد هذا العرض لأهم المؤلفات في علم مناهج المفسرين ومناهج مؤلفيها، والوقوف على أهم نقاط المقارنة بينها، أجد نفسي لم أكُ موفياً للموضوع حقه بالكامل، ولكنني لفتّ الأنظار إلى أهم ما يتعلق بهذه المسائل، والله من وراء القصد.

ولقد استثنيت في هذا الطرح ذكر كتاب الدكتور مصطفى مسلم، لأنني اعتبرته بمثابة الشرح أو التكميل على كتاب الدكتور الذهبي الأزهري، فلا يصلح في المقارنة، وفي النية التوسع في هذا الموضوع بإذن الله تعالى حتى نوفيه حقه.

*كاتب ومفكر – الكويت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى